فصل: قال دروزة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

سورة العصر:
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالْعَصْرِ}
أي: الدهر، أقسم تعالى به لانطوائه على تعاجيب الأمور القارّة والمارّة. ولذا قيل له: أبو العجب. ولأنه يذكر بما فيه من النعم وأضدادها. فينبّه الإنسان على أنه مستعد للخسران والسعادة. وللتنويه به والتعظيم من شأنه، تعريضًا ببراءته مما يضاف إليه من الخسران والذم. كما قيل:
يَعيبون الزمان وليسَ فيه ** معيب غير أهلٍ للزمان

وجوّز أن يراد بالعصر الوقت المعروف الذي تجب فيه صلاة العصر.
قال الإمام: كان من عادة العرب أن يجتمعوا وقت العصر ويتحادثوا ويتذاكروا في شؤونهم، وقد يكون في حديثهم مالا يليق أو ما يؤذي به بعضهم بعضًا. فيتوهم الناس أن الوقت مذموم. فأقسم الله به لينبهك إلى أن الزمان في نفسه ليس مما يذم ويسب، كما اعتاد الناس أن يقولوا: زمان مشؤوم، و: وقت نحس، و: دهر سوء، وما يشبه ذلك. بل هو عادّ للحسنات كما هو عادّ للسيئات، وهو ظرف لشؤون الله الجليلة من خلق ورزق وإعزاز وإذلال وخفض ورفع. فكيف يذم في ذاته، وإنما قد يُذم ما يقع فيه من الأفاعيل الممقوتة!
{إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ} أي: خسران، لخسارته رأس ماله الذي هو نور الفطرة والهداية الأصلية، بإيثار الحياة الدنيا واللذات الفانية والاحتجاب بها وبالدهر، وإضاعة الباقي في الفاني.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} أي: بالله وبما أنزل من الحق، إيمانًا مُلك إرادتهم فلا يعملون إلا ما يوافق اعتقاداتهم، كما قال: {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} قال القاشانيّ: أي: من الفضائل والخيرات، أي: اكتسبوها فربحوا زيادة النور الكمالي على النور الاستعدادي الذي هو رأس مالهم.
{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} أي: أوصى بعضهم بعضًا بما أنزل الله في كتابه من أمره، واجتناب ما نهى عنه من معاصيه {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} أي: على ما يبلوا الله به عباده، أو على الحق، فإن الوصول إلى الحق سهل. وأما البقاء عليه والصبر معه بالاستقامة والجهاد لأجله، فذاك الذي يظهر به مصداق الإيمان وحقيقته.
تنبيهات:
الأول: قال الإمام ابن القيم في (مفتاح دار السعادة) قال الشافعي رضي الله عنه: لو فكر الناس كلهم في هذه الصورة لكفتهم، وبيان ذلك أن المراتب أربعة وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله: إحداها: معرفة الحق. الثانية: عمله به.
الثالثة: تعليمه من لا يحسنه. الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه. فذكر تعالى المراتب الأربعة في هذه السورة. وأقسم سبحانه في هذه السورة بالعصر أن كل أحد في خسر، إلا الذين آمنوا، وهم الذين عرفوا الحق وصدقوا به، فهذه مرتبة. وعملوا الصالحات وهم الذين عملوا بما علموه من الحق فهذه أخرى. وتواصوا بالحق، وصى به بعضهم بعضا تعليما وإرشادا، فهذه مرتبة ثالثة. وتواصوا بالصبر، صبروا على الحق ووصى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات. فهذه مرتبة رابعة.
وهذا نهاية الكمال. فإن الكمال أن يكون الشخص كاملًا في نفسه، مكملًا لغيره. وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية، فصلاح القوة العلمية بالإيمان. وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات، وتكميله غيره بتعليمه إياه وصبره عليه وتوصيته بالصبر على العلم والعمل. فهذه السورة-على اختصارها- هي من أجمع سورة القرآن للخير بحذافيره. والحمد لله الذي جعل كتابه كافيا عن كل ما سواه، شافيا من كل داء، هاديا إلى كل خير. انتهى.
الثاني: قال الرازي: هذه السورة فيها وعيد شديد. وذلك لأنه تعالى حكم بالخسار على جميع الناس، إلا من كان آتيا بهذه الأشياء الأربعة. وهي: الإيمان، والعمل الصالح، التواصي بالحق، والتواصي بالصبر؛ فدل ذلك على أن النجاة معلقة بمجموع هذه الأمور. وأنه كما يلزم المكلف تحصيل ما يخص نفسه، فكذلك يلزمه في غيره أمور: منها الدعاء إلى الدين، والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يحب له ما يحب لنفسه ثم كرر التواصي ليتضمن الأول الدعاء إلى الله، والثاني الثبات عليه. والأول الأمر بالمعروف، والثاني النهي عن المنكر. ومنه قوله تعالى: {وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: 147]، وقال عمر: رحم الله من أهدى إلى عيوبي.
الثالث: قال الرازي: دلت الآية على أن الحق ثقيل، وأن المحن تلازمه؛ فلذلك قرن التواصي بالصبر.
الرابع: تخصص التواصي بالحق والصبر، من اندراجهما في الأعمال الصالحة، لإبراز كمال الاعتناء بهما.
قال الإمام: من تلك الأعمال الدعوة إلى الحق والوصية بالصبر، لكنه أراد تخصيص هذين الأمرين بالذكر، لأنهما حفاظ كل خير ورأس كل أمر. والحق هو ما تقرر من حقيقة ثابتة أو شريعة صحيحة، وهو ما أرشد إليه دليل قاطع أو عيان ومشاهدة. فشرط النجاة من الخسران أن يعرف الناس الحق ويلزموه أنفسهم، ويمكنوه من قلوبهم، ثم يحمل الناس بعضهم بعضا عليه، بأن يدعو كلٌّ صاحبه إلى الاعتقاد بالحقائق الثابتة التي لا ينازع فيها العقل ولا يختلف فيها النقل، وأن يبعدوا بأنفسهم وبغيرهم عن الأوهام والخيالات التي لا قرار للنفوس عليها ولا دليل يهدي إليها، ولا يكون ذلك إلا بإعمال الفكر وإجادة النظر في الأكوان، حتى تستطيع النفس دفع ما يرد عليها من باطل الأوهام، وهذا إطلاق للعقل من كل قيد، مع اشتراط التدقيق في النظر، لا الذهاب مع الطيش والانخداع للعادة والوهم. ومن لم يأخذ نفسه بحمل الناس على الحق الصحيح بعد أن يعرفه فهو من الخاسرين. كم ترى في الآية بالنص الصريح الذي لا يقبل التأويل.
والصبر قوة للنفس على احتمال المشقة في العمل الطيب، واحتمال المكروه من الحرمان من اللذة، إن كان في نيلها ما يخالف حقا أو ما لا تأذن به الشريعة الصحيحة التي لا اختلاف فيها. واحتمال الآلام اذا عرضت المصائب بدون جزع ولا خروج في دفعها عن حدود الحق والشرع. فشرط النجاة من الخسران أن تصبر، وأن توصي غيرك بالصبر، وتحمله على تكميل قواه بهذه الفضيلة الشريفة، التي هي أم الفضائل بأسرها، ولا يمكنك حمله على ذلك حتى تكون بنفسك متحليًّا بها، وإلا دخلت في من يقول ولا يفعل كما يقول؛ فلم تكن ممن يعمل الصالحات. انتهى.
الخامس: قال الإمام: إنما قال: {وَتَوَاصَوْا}، ولم يقل: وأوصوا؛ ليبين أن النجاة من الخسران إنما تناط بحرص كل من أفراد الأمة على الحق، ونزوع كل منهم إلى أن يوصي به قومه ومن يهمه أمر الحق، ليوصي صاحبه بطلبه يهمه أن يرى الحق فيقبله، فكأن في هذه العبارة الجزلة قد نص على تواصيهم بالحق وقبولهم الوصية به إذا وجهت إليهم.
السادس: قال ابن كثير: ذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبيد الله بن حصن، قال: كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الأخر سورة العصر إلى آخرها. ثم يسلم أحدهما على الآخر.
قال الإمام: قد ظن الناس أن ذلك كان للتبرك، وهو خطأ؛ وإنما كان ليذكر كل واحد منهما صحابه بما ورد فيها، خصوصا من التواصي بالحق والتواصي بالصبر؛ حتى يجتلب منه قبل التفرق، وصية خير لو كانت عنده.
وقد فسر الإمام رحمه الله هذه السورة بتفسير على حدة لم يسبق إلى نظيره، فعلى من أراد التوسع في أسرارها، أن يرجع إليه. اهـ.

.قال دروزة:

سورة العصر:
احتوت السورة توكيدا حاسما بأن لا فلاح للإنسان إلّا بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر. وأسلوبها يدل على أنها من أوائل السور نزولا مثل الليل والأعلى وغيرهما، لأنها احتوت مبادئ عامة محكمة من مبادئ الدعوة. وقد ذكرت بعض الروايات أنها مدنية، غير أن أسلوبها يدل على مكيتها وهو ما عليه الجمهور.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة العصر: الآيات 1- 3]
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ}
(1) {العصر}: آخر النهار إلى احمرار الشمس، ويقال له الأصيل أيضا.
وبعض المفسرين قالوا إن العصر هو الدهر ولكن الجمهور على القول الأول.
(2) {تواصوا}: أوصى بعضهم بعضا.
السورة على قصرها جاءت بأسلوب حاسم قوي، لتهتف بالناس أن لا فلاح لهم ولا نجاح ولا صلاح إلّا في الإيمان باللّه وحده والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر، وأن كل من ينحرف عن هذه السبيل فهو خاسر.
وهي على إيجازها خلاصة هدف الدعوة الإسلامية الموجهة إلى الإنسانية جمعاء، وهي عرض عام مثل سورة الأعلى والليل. ولذلك نرجح أنها نزلت مثلهما قبل الفصول القرآنية التي فيها حكاية مواقف المكذبين في سورة العلق والقلم والمزمل والمدثر.
ولقد كان المؤمنون الأولون رضي اللّه عنهم يعرفون عظم مدى السورة حتى لقد روي أن الرجلين من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا إلّا بعد أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الآخر. ولقد قال الشافعي رحمه اللّه: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم.
ونقول بالمناسبة إن هناك آثارا في فضل صلاة العصر. وقد فسرت الصلاة الوسطى المأمور بالمحافظة عليها بنوع خاص في آية البقرة هذه: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} [238] بصلاة العصر. والتسمية تنويهية بفضل هذه الصلاة. ومما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في مسجده في المدينة لأصحابه بعد هذه الصلاة فيلتفون حوله ويستمعون إلى تعاليمه وعظاته ويراجعه الناس في مشاكلهم، لأنهم يكونون في هذا الوقت قد فرغوا من مشاغلهم اليومية أو كادوا، وتكون شدة الحرارة في الصيف قد خفّت. ومن هنا كان الحث على المحافظة عليها كما هو المتبادر ومن هنا تبدو حكمة القسم الرباني بوقتها.

.تعليق على تعبير الصَّالِحاتِ:

وتعبير الصَّالِحاتِ عام مطلق يتضمن كل نوع من أنواع الخير والبر والمعروف تعبديا كان أم غير تعبدي، فعبادة اللّه وحده وإسلام النفس إليه ونبذ ما سواه عمل صالح، والإحسان والبرّ بالمحتاجين والرحمة بالضعفاء عمل صالح، والجهاد في سبيل اللّه ومكافحة الظلم والظالمين وتضحية النفس والمال في هذا السبيل عمل صالح، والتزام الحق والعدل والإنصاف والصدق والأمانة عمل صالح، والتعاون على البرّ والتقوى والأعمال العامة عمل صالح، والكسب الحلال وقيام المرء بواجباته نحو أسرته وأولاده وأقاربه عمل صالح، ومعاملة الناس بالحسنى عمل صالح إلخ... وهكذا يكون تلقين السورة وما انطوى فيها من هدف الدعوة هو التبشير بكل عمل فيه خير وبرّ ورحمة ومكرمة وفضيلة وإخلاص للّه، وبكلمة ثانية بكل ما فيه جماع الخير وسعادة الدارين. وأعظم بهما من تلقين وهدف جليلين خالدين، ومن هنا تبدو قوة القول المأثور عن الشافعي رحمه اللّه.

.تعليق على التواصي بالحق والتواصي بالصبر:

وتعبير (التواصي) قوي لأنه للمشاركة. فلا يكفي أن يلتزم الإنسان الحق والصبر بنفسه، بل يجب أن يتضامن الناس فيهما ويوصي بعضهم بعضا بهما.
والتواصي بالحق يستهدف تضامن أفراد المجتمع في الحق وإحقاقه، بحيث يكون الحق هو القائم الحاكم المؤيد من مجموعهم. والتواصي بالصبر يستهدف تضامن أفراد المجتمع في شد بعضهم أزر بعض في الأحداث الملمة والمصاعب المدلهمة وفي مواقف الحق والخير، دونما وهن ولا ضعف ولا جزع ولا تراخ.
وإذا لوحظ أن تعبير الحق عام يشمل كل شيء من حقوق اللّه على عباده وحقوق المجتمع على أفراده، وحقوق المجتمعات على بعضها، وحقوق الأفراد على بعضهم ومجتمعاتهم، وحقوق الضعفاء والبؤساء والمحرومين على الأقوياء والقادرين والميسورين يبان مدى التلقين القرآني الجليل في التنويه بالتواصي بالحق وجعله لازما للذين آمنوا وعملوا الصالحات، واختصاصه بالذكر من الصالحات مع أنه داخل في معناها الشامل، وما استهدفه هذا التلقين من الارتفاع بالإنسان والمجتمع الإنساني إلى مرتبة الكمال من حيث الطمأنينة العامة والسلامة الاجتماعية، وانتفاء أسباب الضغينة والحقد والقطيعة والخصام والبغي والبؤس والقلق التي تجتاح المجتمع حينما تنتشر فيه الفردية وتقوى الأنانية، ويشتد عدم مبالاة الفرد بغير نفسه ومصلحته وكيانه الخاص لضمان النفع لنفسه من أي سبيل، أو حينما يتسع المجال فيه لبغي الناس وعدوانهم بعضهم على بعض بدون رادع، أو حينما تداس فيه حقوق الضعفاء وتفقد فيه رغبة مساعدة المحتاجين، وتضعف أو تزول فيه عاطفة البرّ والتعاطف الاجتماعية.
وهذا المبدأ بهذه السعة من المبادئ الجليلة التي قررها القرآن مرة بعد مرة وبأساليب متنوعة، حتى كان من أهم أهداف الدعوة الإسلامية. ووروده في هذه السورة المبكرة وبهذا الأسلوب القوي يدل على أنه من أسس الدعوة الرئيسية، وإنه لكذلك. وإنه لمن أقوى مرشحات الإسلام للشمول والخلود.
ومثل هذا يقال في صدد الصبر والتواصي به. لأن ذلك الخلق الشخصي الاجتماعي من لوازم الحياة الإنسانية الصالحة وعمدها. ويهدف القرآن إلى تقويته في الأفراد والمجتمع وبثّ روح القوة والطمأنينة فيهم. ووروده في هذه السورة المبكرة وبهذا الأسلوب القوي يدل على اعتباره من أهم الأخلاق التي يجب أن تقوم عليها الشخصية الإنسانية الإسلامية، وعلى ما له من خطورة وضرورة في حياة الأفراد والمجتمع.
مدى التنويه القرآني بالصبر:
ونرى بهذه المناسبة أن نشير إلى ما تكرر كثيرا في القرآن من التنويه بالصبر حتى لقد بلغ عدد المرات التي وردت فيها كلمة الصبر ومشتقاتها في القرآن المكي والمدني ونوّه فيها بخلق الصبر وحثّ عليه وأثنى على من يتخلق به ويلتزمه ووعد بالنجاح والأجر وأمر بالاستعانة به على مواجهة الخطوب والشدائد نحو مائة مرة حيث يدل هذا على مبلغ العناية الربانية بترسيخ هذا الخلق أو هذه الفضيلة التي هي من أجل الفضائل الأخلاقية في المسلمين. من ذلك في القرآن المكي هذه الآيات:
1 – {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} يوسف [90].
2 – {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)} الرعد [22].
3 – {وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يعلمونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)} النحل [41- 42].
4 – {ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأحسن ما كانُوا يَعْمَلُونَ (96)} النحل [96].
5 – {الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35)} الحج [35].
6 – {قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أحسنوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10)} الزمر [10].
7 – {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} فصلت [34- 35].
8 – {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} الشورى [43].
ومن ذلك في القرآن المدني هذه الآيات:
1 – {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقولوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} البقرة [153- 157].
2 – {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} البقرة [177].
3 – {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)} آل عمران [146].
4 – {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} آل عمران [200].
وواضح من هذه الآيات ومن الآيات الكثيرة الأخرى التي وردت في سور عديدة، أن هدفها هو بثّ روح الجلد ورباطة الجأش وضبط النفس والسكينة والتضحية في نفس المسلم مما يضمن له الكرامة والعزة والنجاح ويجنبه الطيش والهلع والجزع والاضطراب والقلق في الأزمات والأخطار.
والصبر بعد يتجسد في أخلاق كثيرة، فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد ومواقف الحق. والعفاف هو الصبر على الشهوات. والحلم هو الصبر على المثيرات.
والكمال هو الصبر على أمانة الأسرار. والزهد هو الصبر على الحرمان. فإذا ما رسخ هذا الخلق في امرئ صار له من القوة المعنوية والشجاعة والجلد ما يمكنه من مواجهة الخطوب دون فزع وجزع وتحمل المشاق والرضاء بالمكروه والحرمان في سبيل الحق والشرف والكرامة والعزوف عن الشهوات والمثابرة على المقاصد النبيلة مهما عسرت وطال أمدها وغدا محل رضاء اللّه عز وجل والناس واعتمادهم.
ولقد روى الخمسة عن أبي سعيد الخدري حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه: «ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر». حيث ينطوي في الحديث التنويه العظيم بالصبر الذي ينطوي في الآيات القرآنية ويتساوق بذلك التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر مثل سائر الأمور.
ولقد يكون في القرآن المكي بل والمدني آيات تحثّ النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين على الصبر على ما كان يقع من أذى الكفار وما كان من هؤلاء من مكابرة وعناد ومناوأة. غير أن المتمعن فيها يجد أنه ليس من تناقض بينها وبين ما قررناه. كما أنه ليس فيها ما يمكن أن يكون حثا على احتمال الظلم والجور والضيم والذل.
وكثير منها بل جميعها إنما توخت تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه من الحق وتهدئتهم إلى الوقت المناسب وحث النبي صلى الله عليه وسلم على الاستمرار في الدعوة والمهمة التي انتدب لها كما ترى في الأمثلة التالية وهي مكية ومدنية:
1 – {وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين (109)} يونس [109].
2 – {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} النحل [126- 128].
3 – {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77)} غافر [77].
4 – {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)} الطور [48].
5 – {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأمرهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)} البقرة [109].
6 – {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتتقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)} آل عمران [186].